يشتهر سطح القمر بأنه جاف، تمامًا كالتأثير الشديد الحاصل للحَلْق إبّان مرور المارتيني المركَّز فيه، حيث يفتقر سطح القمر إلى المحيطات، عدا تلك المساحات من الصهير المتبلر. وبرغم ذلك.. تشير أحدث الأدلة إلى أن بالقمر مسحة رطوبة، إذ وجدت عدة دراسات أن تركيزات المياه أعلى بكثير من المتوقع في معادن1,2 القمر وصهيره3,4 المُطفأ. وانطلاقًا من تلك المشاهدات، أُشير مؤخرًا إلى أن باطن القمر ربما يحوي تركيزات من الماء، كتلك التي في قشرة الأرض. وما زال من الصعب إجراء قياسات دقيقة للماء. وإلى حد ما، هناك عينات قليلة قابلة للتحليل الحاسم، بل يمكن دراسة العناصر المتطايرة المتوفرة القابلة للتحليل، بدلًا من الماء، ما يتيح بحثًا أوسع، وربما أكثر تمثيلًا لمعادن القمر. في هذا السياق، يطرح بانيللو5 وزملاؤه منظورًا جديدًا لتاريخ العناصر المتطايرة للقمر، مبنيًّا على الزنك (الخارصين)، وبوجه خاص تركيبه النظائري، ويُظْهِرون أن تركيب نظير الزنك القمري أثقل مما في الأرض؛ مما يتسق مع حقيقة تعرُّض القمر لنضوب ملحوظ في العناصر المتطايرة.
ومن تجربتنا اليومية، لا نعتبر الزنك عنصرًا متطايرا؛ فهناك عمومًا القليل من بخاره الذي يتلاشى، إلا أنه في علم الكيمياء الكوني، نجد أن العناصر التي تتكاثف عند درجات حرارة منخفضة نسبيا (أقل من 1000 مئوية) من الغاز الرقيق، كما يفعل الزنك، تسمى متطايرة. وتتباين وفرة العناصر المتطايرة بشدة بين الأجرام الكوكبية ـ التي يمكن جمع عيناتها من النيازك ـ لكن أصل هذا التباين يظل غير مفهوم جيدًا. وكان واضحًا من التحاليل الأولى لعينات القمر التي عادت بها بعثات أبوللو، أن وجود العناصر المتطايرة بالقمر يعدّ متدنيًا. ويظل التحدي قائمًا في ترجمة تركيزات العناصر المقاسة في الصهير المندلع (البارد حاليًا) إلى تقدير المخزون الكلي من العناصر المتطايرة في القمر. إن قوة وأهمية قياسات النظائر، مثل تلك التي أجراها بانيللو وآخرون، تكمن في أن النظائر ـ خلافًا للعناصر ـ لا تتجزأ عن بعضها أثناء عمليات الصهير، وبذلك يقدم الصهير المتدفق صورة صادقة عن طبيعة تكوين مصادره الأعمق.
ومن تجربتنا اليومية، لا نعتبر الزنك عنصرًا متطايرا؛ فهناك عمومًا القليل من بخاره الذي يتلاشى، إلا أنه في علم الكيمياء الكوني، نجد أن العناصر التي تتكاثف عند درجات حرارة منخفضة نسبيا (أقل من 1000 مئوية) من الغاز الرقيق، كما يفعل الزنك، تسمى متطايرة. وتتباين وفرة العناصر المتطايرة بشدة بين الأجرام الكوكبية ـ التي يمكن جمع عيناتها من النيازك ـ لكن أصل هذا التباين يظل غير مفهوم جيدًا. وكان واضحًا من التحاليل الأولى لعينات القمر التي عادت بها بعثات أبوللو، أن وجود العناصر المتطايرة بالقمر يعدّ متدنيًا. ويظل التحدي قائمًا في ترجمة تركيزات العناصر المقاسة في الصهير المندلع (البارد حاليًا) إلى تقدير المخزون الكلي من العناصر المتطايرة في القمر. إن قوة وأهمية قياسات النظائر، مثل تلك التي أجراها بانيللو وآخرون، تكمن في أن النظائر ـ خلافًا للعناصر ـ لا تتجزأ عن بعضها أثناء عمليات الصهير، وبذلك يقدم الصهير المتدفق صورة صادقة عن طبيعة تكوين مصادره الأعمق.
وباستخدام هذا النهج من الاستعانة بالنظائر، أظهر الباحثون أن نسبة وفرة نظائر الزنك ذات العدد الكتلي 66 و64 (Zn/64Zn66) تقريبًا ثابتة لنطاق ممتد من أنواع الصهير القمري، بما في ذلك أولئك الذين يُعتقد أنهم الأكثر تمثيلا للباطن. لذلك.. تقدم النتائج قيمة محددة جيدًا من هذه النسبة للقمر ككل. والأهم من ذلك أن بانيللو ورفاقه وجدوا أن هذه القيمة أعلى بشكل ملحوظ ـ بنحو جزء ونصف في الألف ـ عما هي في الأرض والمريخ والنيازك البدائية، التي يُعتقد أنها لَبـِنات بناء صخور الكواكب. وقد يبدو هذا الاختلاف طفيفًا، لكنه في ضوء اختلافات النظائر بين الأجرام الكوكبية، يُعدّ مهولًا.
وما زالت الآلية المحددة التي صار بها تركيب نظير الزنك أثقل في القمر منه في الأرض غير واضحة؛ ومع ذلك.. فمعظم عمليات الفقد في العناصر المتطايرة التي يمكن تصورها تتنبأ بكونه نتيجة. ومثلًا، أثناء تكاثف القمر من سحابة غاز وصهير، يُتَوقَّع أن تُفضِّل النظائر الثقيلة للزنك أن تتجزأ في طور الصهير (الشكل 1). ولو لم يتراكم طور الغاز فوق سطح القمر، لأصبح فقيرًا في المواد المتطايرة، غنيًّا في النظائر الثقيلة للعناصر المتطايرة كالزنك. ولطالما كان يُستخدم هذا النوع من التشخيص بالاستعانة بالنظائر للاستدلال على نضوب العناصر المتطايرة في العينات القمرية، فإن توثيقه في النهاية بواسطة بانيللو وآخرين يُعدّ أمرًا جديرًا بالملاحظة. وكانت مفاجأة كبرى بالفعل أن مثل هذا التأثير لم يُذكَر في دراسة6 عالية الدقة حول نظير البوتاسيوم المتطاير قبل عشرين عامًا تقريبًا.
وأفاد باحثون7 مؤخرًا بوجود اختلافات جلية بين نظائر الكلور القمري والأرضي، وهو من العناصر المتطايرة الأكثر شهرة. ومع ذلك.. فتكوين نظير الكلور القمري ليس ثابتًا، وثمة من يجادل بأن اتجاهه للقيم الثقيلة يعكس فقدًا للغاز من الصهير أثناء اندلاعه، وليس انعكاسًا للتكوين الداخلي للقمر7. إنّ اكتمال فهم أعمق لنشوء المواد المتطايرة في الكواكب يتطلب تفسيرًا لهذه التباينات في البصمة النظائرية isotopic signature للشقائق الكيميائية المفترضة. ومن الأهمية بمكان في هذا المسعى أن الحصول على تقديرات أفضل للعناصر المتطايرة يجب أن يتم تحت ظروف خاصة، كالتي تكوّن فيها القمر. وقد سلك بانيللو وزملاؤه نهجًا تقليديًّا في افتراض أن درجات حرارة التكاثف العنصري تُحسب تبعًا لبيئة8 سديمية غنية بالهيدروجين، وهذه القيم هي الأقرب لظروف النظام الشمسي الأول، لكنها ليست كذلك فيما يتصل بتكاثف ونشوء القمر من حطام قرص غني بالسيليكا (الشكل 1).
No comments:
Post a Comment